لطالما شكّل الأردن عمقًا استراتيجيًا وسياسيًا وقانونيًا للقضية الفلسطينية، وفي المحافل الدولية، لم يتوانَ عن تأكيد هذا الدور، لا سيما على صعيد الدفاع عن الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، ومنها التوجه إلى محكمة العدل الدولية. ويبرز هذا الدور في الجهود القانونية التي تبذلها المملكة في دعم القضايا الفلسطينية، خصوصًا في إطار الرأي الاستشاري الصادر عن المحكمة بشأن شرعية الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، حيث طلبت الجمعية العامة للأمم المتحدة من محكمة العدل الدولية إصدار رأي استشاري حول “الآثار القانونية الناشئة عن انتهاك إسرائيل المستمر لحق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير”، بما يشمل الاحتلال والاستيطان والضم. وقد تم فتح باب تقديم المذكرات الخطية من الدول والمنظمات الدولية، وهنا برز الدور الأردني بشكل واضح، حيث قدمت المملكة الأردنية الهاشمية مذكرة قانونية مفصلة دعمت فيها الموقف الفلسطيني، وركّزت على عدم شرعية الاحتلال وأكدت المذكرة أن استمرار الاحتلال الإسرائيلي يعد انتهاكًا صارخًا لقواعد القانون الدولي، وخصوصًا ميثاق الأمم المتحدة واتفاقيات جنيف، وأكدت على التمييز العنصري والانتهاكات الإنسانية حيث أبرزت الوثيقة الممارسات الإسرائيلية، بما فيها التهجير القسري، وهدم المنازل، والإجراءات التعسفية ضد السكان الفلسطينيين، وأكدت على الوصاية الهاشمية على المقدسات حيث شددت الأردن على مسؤوليتها القانونية والتاريخية في حماية المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، مؤكدة مخالفة الانتهاكات الإسرائيلية لهذه الوصاية.
وفي تطور حديث ذو أهمية كبيرة يعكس استمرار الالتزام الأردني بدعم الحقوق الفلسطينية، شاركت المملكة الأردنية الهاشمية في الجلسات العلنية التي عقدتها محكمة العدل الدولية في لاهاي في فبراير 2024، ضمن إطار النظر في الرأي الاستشاري المتعلق بمدى شرعية الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، بما فيها القدس الشرقية. وقد أكدت المملكة الأردنية الهاشميةمن خلال مرافعة شفهية حق الشعب الفلسطيني غير القابل للتصرف في تقرير المصير، ورفض السياسات الاستعمارية الإسرائيلية، وشدد على أن الاحتلال المتواصل يمثل انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي. كما جدد الأردن موقفه الثابت من حل الدولتين، ورفضه أي إجراءات تمس بالوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس. وجاءت هذه المرافعة استكمالًا لمذكرة خطية قدمتها المملكة في يوليو 2023، في إطار جهودها القانونية لدعم فلسطين أمام أعلى هيئة قضائية دولية، وعلى الرغم أن الرأي الاستشاري للمحكمة غير ملزم قانونًا، إلا أن له ثقلًا سياسيًا وقانونيًا كبيرًا في المجتمع الدولي، ويُسهم في صياغة مواقف الدول والمنظمات. وهنا، يشكل الدعم الأردني أحد أبرز عناصر الضغط القانوني، ويؤسس لسردية قانونية واضحة تعزز من الجهد الفلسطيني في المحافل الأممية.
إن الدور القانوني الأردني في دعم فلسطين أمام محكمة العدل الدولية يُجسد التزامًا استراتيجيًا وأخلاقيًا وقانونيًا. ولا يمكن فصل هذا الدور عن مكانة الأردن الإقليمية وحرصه على صون الحقوق الفلسطينية، خصوصًا في ظل ما يواجهه الشعب الفلسطيني من انتهاكات ممنهجة تتطلب مواقف قانونية صارمة. ويمثّل هذا الدعم خطوة مهمة نحو تدويل الانتهاكات وإخضاعها لمبادئ العدالة الدولية
وفي يوم الاربعاء 30 نيسان 2025 قدم فريق قانوني أردني من مستشارين أكفياء مرافعة شفوية عن الأردن أمام محكمة العدل الدولية في لاهاي، ضمن جلسات استماع علنية لطلب رأي استشاري بشأن التزامات إسرائيل المتعلقة بوجود أنشطة الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى في الأراضي الفلسطينية المحتلة،وهنا يجب الإشارة الى ان المرافعة الشفهية الأردنية لم تكن مجرد موقف سياسي، بل مثّلت تحركًا قانونيًا مدروسًا يعزز قوة الرأي الاستشاري المطلوب من المحكمة من الناحية القانونية،حيث تضمنت المرافعة تفنيدًا واضحًا للانتهاكات الإسرائيلية الجسيمة التي ترتكب بحق الفلسطينيين، وربطها بالقواعد الآمرة في القانون الدولي (Jus Cogens)، ما يعني أن هذه الانتهاكات لا يمكن تبريرها أو التغاضي عنها، ولا تسقط بالتقادم. كما شددت المرافعة على عدم شرعية الاستيطان والضم، وحرمان الشعب الفلسطيني من تقرير المصير، وهو لبّ المسألة القانونية المعروضة أمام المحكمة، وأن هذا التحرك يدعم إنتاج رأي استشاري دولي يُبنى على وقائع موثقة وسند قانوني قوي، مما يعزز من إمكانية استخدام هذا الرأي لاحقًا كأساس لخطوات قانونية جديدة، مثل تحريك ملفات أمام المحكمة الجنائية الدولية أو توسيع العقوبات القانونية الدولية على إسرائيل.
وهنا يجب الإشارة الى دور مهم وهو الأثر السياسي للمرافعة الأردنية حيث عززت هذه المرافعة من مكانة الأردن كدولة تواجه الاحتلال لا بالكلمات فقط، بل بالأدوات القانونية الدولية. وهي تُبرز قدرته على التأثير في السردية القانونية الدولية لصالح فلسطين، خصوصًا أن الرأي الاستشاري المرتقب سيُشكّل مرجعًا قانونيًا مهمًا في أي تحرك أممي لاحق. كما أن الأردن بهذا الأداء يُعيد الاعتبار لاستخدام أدوات القانون الدولي كوسيلة مشروعة للمقاومة السياسية والدبلوماسية، ويُحرج الدول التي اختارت الصمت أو الحياد السلبي تجاه الانتهاكات الإسرائيلية
الأردن وفلسطين جبهة واحدة في معركة الشرعية"”
“الحق لا يُهزم ما دام خلفه رجال"
Copyright 2025 © GEEL TECH . All Right Reserved
Share This News